لغز سعر الصرف ۔۔۔۔۔ أسئلة حائرة

لغز سعر الصرف ۔۔۔۔۔ أسئلة حائرة

هل تساءلت في وقت ما كيف يتحدد سعر صرف عملة دولتك ولماذا تنخفض او ترتفع في بعض الأحيان ولماذا تتسم بعض الدول بثبات سعر صرفها كدول الخليج العربي ولماذا لا تتأثر أسعار صرف عملاتها كما تتأثر العديد من العملات العالمية الأخرى ، وهل تساءلت مفهوم ربط عملة دولتك بعملة اخري ولماذا تلجأ بعض الدول الي ربط عملتها الوطنية بسلة من العملات وليست عملة واحدة ، وهل يمكن الحكم على اقتصاد دولة ما انه قوي او ضعيف اعتمادا على سعر صرف تلك الدولة وهل تساءلت لماذا تعمل بعض الدول كالصين مثلاً الي تخفيض سعر صرف اليوان بالرغم من قوم اقتصادها ، كل تلك الأسئلة تدور حول محور واحد ، نحاول اليوم سبر اسراره والغازه ، الا وهو سعر الصرف ۔

الامر برمته خاضع لقانون الطلب والعرض الذي هو أساس علم الاقتصاد والذي يوضح انه كلما زاد الطلب على سلعة او خدمة ما في ظل ثبات العوامل الآخري فان ذلك يؤدي الي زيادة سعر تلك السلعة او الخدمة والعكس صحيح فكلما قل الطلب مع بقاء الأخرى ثابتة انخفض سعرها والعملات في سوقها الكبير الذي يسمي بسوق الفوركس وهو السوق الذي تتم فيه تجارة العملات الأجنبية يتم التعامل معها بنفس الأسلوب أي ان سعر صرف أي عملة يتحدد بناءً على قوة العرض والطلب في سوق الصرف الذي يسمح للجميع من شركات ومؤسسات وافراد بمبادلة العملات مع بعضها البعض عن طريق البيع والشراء ، فعندما يكون هناك طلب كبير على عملة معينة، فإن سعر تلك العملة يرتفع نسبيًا مقارنة بالعملات الأخرى. وبالمثل، عندما يكون هناك طلب منخفض على عملة ما، يمكن أن ينخفض سعرها مقابل العملات الأخرى. لكن ما الذي يؤثر على قوة الطلب والعرض في سوق العملات، في حقيقة الامر ، هناك مجموعة من العوامل التي يمكن اعتبارها بمثابة محددات لقوة الطلب والعرض على عملة ما من اهم تلك العوامل والمحددات قوة اقتصاد الدولة صاحبة تلك العملة ومستوي التضخم فيها ومدي استقرار تلك الدولة سياسيا واقتصاديا بالإضافة الي عنصر في غاية الأهمية والمتمثل بسعر الفائدة الذي بلا ادني شك يؤثر على جاذبية تلك العملة من عدمه بالإضافة الي قوة الدولة المعنية نفوذها السياسي والعسكري بالعالم ، اذن بلا ادني شك هناك أهمية كبري لسعر الصرف للحكم على اقتصاد ما باعتباره واحدا من المقاييس الهامة التي تعكس قوة اقتصاد تلك الدولة من عدمه ولكنه بلا ادني شك ليس المؤشر الوحيد للحكم على قوة الاقتصاد ، الحقيقة ان هناك عديد من العوامل التي من خلالها يمكننا تقييم اقتصاد دولة معينة من حيث القوة والضعف۔ ومن اهم تلك العوامل ، مدي الاستقرار الاقتصادي والتنمية بالإضافة الي جاذبية الاستثمار في تلك الدول من خلال القوانين واللوائح المنظمة لأعمال الاستثمار فيها وحجم صادرات ووارداتها وكذلك الاستقرار السياسي والاجتماعي في تلك الدولة ، هذه العوامل كلها او بعضها تؤثر في سعر الصرف او تتأثر به ، اذن قوة اقتصاد دولة ما تعتمد على عدة محددات ومؤشرات، والتي تشمل على سبيل المثال معدل النمو الاقتصادي وكذلك الناتج المحلي الإجمالي الذي يتمثل في اجمالي انتاج الدولة من السلع والخدمات خلال فترة محددة غالباً ما تكون فترة السنة ، كما ان حجم التجارة الخارجية والتبادل التجاري للدولة يعكس قوة قطاعاتها الاقتصادية وقدرتها على التنافس في الأسواق العالمية اضف الي ذلك ان إدارة الميزانية العامة للدولة بفاعلية تدل على استدامة الاقتصاد وقوته. تحقيق التوازن في الميزانية أو الحصول على فائض يعزز الثقة في الاقتصاد، ايضاً معدل التضخم ومؤشرات البطالة يؤثران على قدرة العملة على الشراء ويمكن أن يؤثرا على الثقة في الاقتصاد.

هذه محددات قوة اقتصاد دولة ما، وقد تختلف أهميتها وتأثيرها باختلاف الظروف والسياق الاقتصادي لكل دولة. تتفاعل هذه المحددات والعوامل مع بعضها البعض لتقييم وتحديد مدى صحة وقوة الاقتصاد في دولة ما، اذن سعر الصرف ليس العامل الوحيد الذي يحدد قوة اقتصاد دولة ما.

قد يتبادر الي ذهن البعض ان كان الامر كذلك واذا كان سوق العملات العالمي هو الذي يحدد أسعار صرف العملات في كل العالم فلماذا نسمع بين الحين والآخر ان دولة ما ربطت عملتها بالدولار الأمريكي او باليورو او بسلة من العملات وما هو الهدف من ذلك الامر ان كان سوق العملات يعمل بناء على قوة قانون الطلب والعرض كما أسلفنا في صورته البسيطة۔ الحقيقة ، ان موضوع سعر الصرف والسياسات النقدية لا يخلو من التعقيدات ويحتاج الي مزيد من التوضيح ۔

ارتباط العملات بالدولار الأمريكي كمثال رائج في العالم يعني ان تلك الدولة المعنية بربط عملتها تهدف الي تثبيت قيمة عملتها الوطنية بقيمة معينة من الدولار الأمريكي من خلال سعر صرف ثابت كما هو الحال في معظم دول الخليج العربي ما عدا دولة الكويت التي ارتأت في السنوات الأخيرة التحول من هذه السياسة الي ربط الدينار الكويتي بسلة من العملات من ضمنها الدولار الأمريكي بهدف تحقيق مزيد من الاستقرار والثبات في سعر صرف عملتها الوطنية ، يمكن أن يتم ذلك عندما تتخذ الحكومة قرارًا رسميًا بتحديد سعر صرف ثابت بين عملتها والدولار الأمريكي، عادة ما يكون اجراء ربط العملة الوطنية بعملة عالمية كالدولار او اليورو بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتسهيل التجارة الدولية، وتحقيق الاستقرار المالي وخفض مؤشرات التضخم نظراً لاستقرار الدولار الأمريكي كعملة عالمية في المدي القريب او المتوسط وعدم تحركه بشكل مفاجئ صعودا وهبوطا مما يسهم في تحقيق نوع من الاستقرار المالي والاقتصادي لتلك الدول وبالشكل الذي يمكن المستثمرين ورجال الاعمال والشركات والمؤسسات من عمل خطط عمل متوسطة وطويلة المدي دون تغييرات تذكر في المدي المنظور ، اضف الي ذلك ان دول الخليج باعتبارها دول منتجة ومصدرة للنفط والغاز ومن اكبر الدول التي لديها احتياطات مرتفعة منهما ، وان العديد من عقود النفط والغاز تتم بالدولار الأمريكي بالتالي، ربط العملات بالدولار يساهم في تسهيل التعاملات المالية المرتبطة بصادرات النفط والمشتقات البترولية، كما ان ربط العملات بالدولار الأمريكي يعتبر واحدًا من الوسائل لحماية قيمة العملة من التقلبات السريعة والتغيرات الاقتصادية، بالإضافة الي انه يعمل على تسهيل التجارة الدولية والتعاملات المالية الأخرى مع بقية دول العالم باعتبار ان الدولار الأمريكي هو العملة المتفق عليها لإجراء تلك التعاملات بالشكل الذي يسهل من عملية التبادل والتسعير وما الي ذلك من الأمور الاخرى التي تضفي مزيد من الاستقرار المالي على مستوي تجارة العالم ۔ اذن لماذا خرجت دولة الكويت من هذا الاجماع الخليجي وربطت الدينار بسلة من العملات العالمية، لعلنا اجبنا في وقت سابق ان ذلك الاجراء كان بهدف تحقيق مزيد من الاستقرار في أسعار صرف الدينار الكويتي من وجهة نظر صانع السياسة النقدية بدولة الكويت، ولعل من اهم العوامل التي تساعد في تحقيق ذلك الاستقرار هو ان ربط الدينار بمجموعة من العملات يساهم بضبط سعر صرف الدينار الكويتي بناءً على تطورات الأسواق العالمية للعملات المدرجة في تلك السلة وانه من بين الأسباب المحتملة لربط العملة بسلة من العملات بالإضافة الي ما سبق ذكره سابقاً من تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي وخفض مؤشرات التضخم ، انه في حال ربط العملة الوطنية كما هو الحال بالكويت بسلة من العملات قد يسهم هذا التنويع في الحد من التأثيرات السلبية لتقلبات سعر صف عملة واحدة كالدولار الأمريكي عند التعاملات المالية والتجارية.

بالتالي ان ثبات سعر صرف عملات دول الخليج يشير إلى سياسة النظام النقدي الذي يحافظ على قيمة العملة الوطنية مقابل سعر ثابت محدد أمام العملات الأخرى، بما في ذلك الدولار الأمريكي، او امام العملات العالمية الأخرى ومع ذلك، يجب أن يتم مراعاة أن هذه السياسة قد تواجه بعض التحديات، بما في ذلك تأثير التغيرات الاقتصادية والسياسية في الأسواق العالمية على القيمة الحقيقية للعملة وتأثيراتها على الاقتصاد المحلي. قد تكون هناك حاجة لتحديث هذه السياسة أو التحكم في التغيرات المستقبلية لتحقيق التوازن بين الاستقرار والتحول الاقتصادي. ان كان الهدف من ربط دول الخليج لعملاتها امام الدولار الأمريكي او امام سلة من العملات العالمية تحقيق ثبات نسبي في أسعار صرف عملاتها ، فلماذا تلجأ دول اخري كالصين مثلاً الي تخفيض سعر صرف عملتها اما الدولار ، الحقيقة ان الهدف الاوضح لذلك هو تحسين تنافسيتها الاقتصادية وتعزيز صادراتها وهو ما يطلق عليه اصطلاحاً حرب العملات وهو مصطلح يُستخدم لوصف المنافسة بين الدول لتخفيض قيمة عملتها مقابل عملات أخرى وتتم هذه المنافسة عن طريق التدخل في سوق الصرف الأجنبي من قِبَل الدولة المعنية أو البنك المركزي لتخفيض قيمة عملتها مثل خفض سعر الفائدة، زيادة كمية العملة المتداولة، أو تخفيض سعر الصرف. والهدف من كل ذلك جعل العملة أكثر تنافسية على المستوى الدولي، مما يجعل الصادرات أرخص سعرًا وتجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

يعتبر هذا النوع من المنافسة أمرًا محفوفًا بالمخاطر، حيث يمكن أن يؤدي إلى تصاعد التوترات التجارية بين الدول وتداعيات اقتصادية سلبية. وبالإضافة إلى ذلك، قد تتجاوز حرب العملات تأثيرها على الاقتصادات الوطنية وتؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل عام.

Ahmed Marzouk

Manager at Deloitte UK | CPA

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *