السياسة المالية والنقدية مقارنة ومقاربة بين الفكر الاقتصادي الإسلامي والتقليدي

تترقب الأسواق العالمية والإقليمية والمحلية العديد من المؤشرات الاقتصادية والمالية بشكل دوري من أهمها أسعار الفائدة التي يحددها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي او الأوروبي لما لها من تأثير قوي علي معظم اسواقنا العربية وتحديداً الأسواق الخليجية التي تربط عملتها بالدولار الأمريكي ما عدا دولة الكويت التي تربط عملتها الوطنية بسلة من العملات ، كما ان المحللين الاقتصاديين والأسواق المالية تترقب بشكل سنوي مؤشرات الموازنات المالية للدول الكبرى ومعرفة ما هي السياسة المالية التي تنوي هذه الدول اتباعها في السنة القادمة ويأتي في مقدمة هذه المؤشرات معدل الانفاق الحكومي بشقيه المدني والعسكري ومعدلات الضرائب التي تنوي هذه الدول فرضها ، لذا كان من المهم جدا ان يكون محور مقالنا التالي السياسة المالية والنقدية والتعريف بهما وكذلك اجراء مقارنات بين السياسات الاقتصادية التقليدية ومقارنتها بمثيلاتها في الاقتصاد الإسلامي ان وجدت۔ الحقيقة، ان هذا الموضوع طرح سابقاً في العديد من المقالات والأبحاث واتمني ان يكون هذا المقال بمثابة قيمة مضافة لما سبق ونشر في هذا الخصوص ۔

هناك العديد من الأدوات المستخدمة في السياسة النقدية والمالية لتحقيق أهداف الحكومات الاقتصادية ، تتضمن أدوات السياسة النقدية عدة أدوات من ضمنها سعر الفائدة حيث يتم تحديد سعر الفائدة من قبل البنك المركزي للتأثير على تكاليف الاقتراض وتشجيع النمو الاقتصادي أو تقليل التضخم ، كما تعد نسبة الاحتياطي النقدي واحد من أدوات السياسة النقدية التي تتعلق بتحديد مستوى الاحتياطي النقدي الذي يجب أن يحتفظ به البنك المركزي من ودائع البنوك التجارية العاملة بالدولة المعنية والذي يؤثر على توافر النقد في الاقتصاد، وكذلك عمليات السوق المفتوحة التي تشمل شراء الأوراق المالية الحكومية أو الأصول الأخرى من السوق المالية لزيادة السيولة وتخفيض تكاليف الاقتراض او بيع الأوراق المملوكة من البنك المركزي، فالدخول كمشتري لهذه الأوراق وضخ نقدية مضافة في الأسواق في حال رغبة البنك المركزي في زيادة عرض النقود في الأسواق ، وهو ما يطلق عليه السياسة التوسعية ،

او اتباع سياسة نقدية انكماشية حيث تلعب أدوات السياسة النقدية بالإضافة لأدوات السياسة المالية الدور الرئيس في تحدي معالم تلك السياسة وهو ما سوف نتطرق اليه لاحقا بعد شرح مبسط لأدوات السياسة المالية التي تتضمن تحديد معدلات الضرائب والتغييرات في نطاقاتها لتأثيرها على إيرادات الحكومة وتوجيه الإنفاق العام، بالإضافة الي تحديد مستوي الإنفاق الحكومي الذي يتعلق بقرارات الحكومة بشأن الإنفاق في مختلف القطاعات مثل البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية والدفاع، ويؤثر على الطلب الاقتصادي وتوزيع الثروة، بالإضافة الي معدل الديون العامة التي تتضمن إصدار السندات واقتراض الحكومة لتمويل العجز في الموازنة أو مشاريع استثمارية، وتؤثر على مستوى الديون وتكلفة الاقتراض

تتنوع هذه الأدوات وتختلف في تأثيراتها وطرق تنفيذها، وتستخدم الحكومات والبنوك المركزية مجموعة منها بناءً على الظروف الاقتصادية والأهداف المحددة وفقاً لما يتطلبه الوضع الاقتصادي السائد بالدولة المعنية من ناحية التضخم، وذلك ان السياسة النقدية والمالية او ما يطلق عليه تحديداً السياسة الاقتصادية ترمي الي تحقيق اهداف اقتصادية معينة من ناحية الإنتاج والتوظيف من خلال تدخل الدولة او البنك المركزي فيها وفقاً للوضع الاقتصادي ، فاذا كانت تعاني من معدات تضخم مرتفعة كما هو الحال في العديد من الدول مثل الارجنتين وفنزويلا وتركيا فان الدولة تتبع سياسة مالية انكماشية من خلال ضغط الانفاق الحكومي وزيادة معدلات الضرائب وزيادة الإصدارات الخاصة بها من السندات واذونات الخزانة بهدف تقليل عرض النقود في السوق المحلي ومن ثم التأثير علي معدل التضخم بالانخفاض وهو ما يطلق عليه السياسة المالية الانكماشية ، والعكس صحيح فان كانت الدولة تعاني من فجوات انكماشية او تباطؤ في الإنتاج فأنها تعمل علي تطبيق سياسة مالية توسعية من خلال زيادة الانفاق الحكومي وتقليل اصدار السندات وخفض معدلات الضرائب لزيادة عرض النقد بالسوق ومن ثم تحقيق معدلات نمو وتوظيف وإنتاج اعلي ، فيما يقوم البنك المركزي لدولة ما من خلال اتباع سياسة نقدية توسعية بتخفيض معدلات الفائدة وتقليل سعر إعادة الخصم او خفض نسبة الاحتياطي على الودائع التي يفرضها البنك المركزي على البنوك التجارية او الدخول للسوق المالية مشترياً للأوراق المالية المتداولة وكل ذلك يؤدي الي ضخ المزيد من النقد في السوق المحلي بهدف زيادة عرض النقود فيها لمعالجة الفجوة الانكماشية في تلك الدولة ، وفي حالة معاكسة يقوم باتباع سياسة نقدية انكماشية تو تقشفية من خلال زيادة سعر الفائدة وزيادة سعر الخصم او زيادة نسبة الاحتياطي على الودائع او الدخول للسوق المالية بائعاً مما يؤدي الي تخفيض السيولة الموجودة في السوق ومن ثم تقليل المعروض من النقد بهدف معالجة حالة التضخم التي قد تعيشها تلك الدولة

قد يتساءل الكثيرون من خلال الواقع الذي تعيشه بعض الدول الان من وجود معدلات تضخم عالية وفي نفس الوقت تعاني من معدلات توظيف متدنية او تدني الإنتاج القومي وهو ما يجمع بين حالتين متضاربتين وهما معدلات أسعار مرتفعة وتدني في معدلات الإنتاج وارتفاع معدل البطالة وتدني نسب النمو الاقتصادي وهو ما يطلق عليه التضخم الركودي وهو أسوأ السيناريوهات التي يمكن ان يواجها اقتصاد ما ( ركود وتضخم في آن واحد ) ، وهو ما تعاني منه حالياً بعضاً من دولنا العربية بالإضافة الي بعض دول الإقليم ، فصانع القرار الاقتصادي قد يفضل اتباع سياسة اقتصادية من احدي السياستين السابق شرحهما ( سياسة توسعية او انكماشية ) للتعامل مع احدهما مما قد يقود الي تفاقم ويزيد الآخر سوءاً وهذا موضوع قد نتحدث فيه في مقال آخر بمزيد من التفصيل والاسهاب

Ahmed Marzouk

Manager at Deloitte UK | CPA

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *